الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال السمرقندي في الآيات السابقة: قوله: {يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ}.صار نصبًا لنزع الخافض، ومعناه: إن ربك من بعدها لغفور رحيم.في {يَوْمَ تَأْتِى} أي: تحضر.ويقال: معناه واذكروا {يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تجادل عَن نَّفْسِهَا} يعني: كل إنسان يخاصم عن نفسه، ويذبُّ عنها، ويقول: نفسي نفسي، وذلك حين زفرت جهنم زفرة، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا جثا على ركبتيه.ويقول: ربِّ نفسي نفسي، أي: أريد نجاة نفسي.{وتوفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} أي: كل نفس برة أو فاجرة جزاء ما عملت في دار الدنيا من خير أو شر {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي: لا ينقصون من حسناتهم، ولا يزادون على سيئاتهم.قوله: {وَضَرَبَ الله مَثَلًا} يقول: وصف الله شبهًا {قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً} يعني: مكة من العدو {مُّطْمَئِنَّةً} من العدو أي: ساكنة مقيمة أهلها بمكة {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا} أي: يحمل إليها طعامها، ورزق أهلها {رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ} يعني: موسعًا من كل أرض، يحمل إليها الثمار وغيرها {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله} أي: طغت وبطرت.ويقال: كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع} أي: عاقبهم الله تعالى سبع سنين.ومعنى اللباس هنا: سوء الحال، واصفرار الوجوه، {والخوف} يعني: خوف العدو، وخوف سرايا النبي صلى الله عليه وسلم، {بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} أي: عقوبة لهم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» فاستجاب الله دعاءه، فوقع القحط والجدوبة، حتى اضطروا إلى أكل الميتة والكلاب.قال القتبي: أصل الذوق بالفم.ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختيار {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف} يعني: ابتلاهم الله بالجوع والخوف، وظهر عليهم من سوء آثارهم، وتغير الحال عليهم.قوله: {وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْهُمْ} أي: محمد صلى الله عليه وسلم {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العذاب} أي: الجوع {وَهُمْ ظالمون} أي: كافرون.ثم إن أهل مكة بعثوا أبا سفيان بن حرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما هذا البلاء، هبك عاديت الرجال فما بال الصبيان والنساء؟ فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحمل إليهم الطعام، فحمل إليهم الطعام، ولم يقطع عنهم وهم مشركون، فقال الله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلَلًا طَيّبًا} أي: من الحرث، والأنعام، {حلالا طَيّبًا} يعني: وهم خزاعة وثقيف {واشكروا نِعْمَتَ الله إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} يعني: إن كنتم تريدون بذلك رضاء الله وعبادته.فإن رضاه أن تستحلوا ما أحلّ الله، وتحرّموا ما حرّم الله.ثم بيّن المحرمات فقال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمَ الخنزير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} أي: ذبح بغير اسم الله {فَمَنِ اضطر} أي: أجهد إليَّ بشيء مما حرّم الله عليه {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} في أكله أي: لا يأكل فوق حاجته.ويقال: غير مفارق الجماعة، ولا عاد عليهم {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} فيما أكل {رَّحِيمٌ} حين رخص له في أكل الميتة عند الاضطرار.ثم قال: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب} أي: لا تقولوا يا أهل مكة فيما أحللت لكم {هذا حلال} على الرجال، {وهذا حَرَامٌ} على النساء.ويقال: في الآية تنبيه للقضاة، والمفتين، كي لا يقولوا قولًا بغير حجة وبيان.ثم قال: {لّتَفْتَرُواْ على الله الكذب} أي: بتحريم البحيرة والسائبة {إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ} أي: لا يفوزون، ولا ينجون من العذاب {متاع قَلِيلٌ} أي: عيشهم في الدنيا قليل {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة.ثم قال تعالى: {وَعَلَى الذين هَادُواْ} يقول: مالوا عن الإسلام، وهم اليهود {حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ} أي: في القرآن من قبل هذه السورة في سورة الأنعام {وَمَا ظلمناهم} بتحريم ما حرّمنا عليهم {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بكفرهم، فحرَّمنا عليهم الأشياء عقوبة لهم {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السوء بجهالة} أي: عملوا المعصية بجهالة.وروي عن ابن عباس أنه قال: كل سوء يعمله العبد فهو فيه جاهل، وإن كان يعلم أن ركوبه سيئة.{ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ} أي: العمل {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} أي: من بعد السيئة ويقال: من بعد التوبة {لَغَفُورٌ} لذنوبهم {رَّحِيمٌ} بهم.قوله: {إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً قانتا لِلَّهِ} أي: إمامًا يقتدى به {قانتا} أي: مطيعًا لربه.وروى عامر عن مسروق أنه قال: ذكر عند عبد الله بن مسعود معاذ بن جبل فقال عبد الله بن مسعود: كان معاذ بن جبل أمةً قانتًا.فقال رجل: وما الأُمة؟ قال الذي يعلِّم الناس الخير، والقانت الذي يطيع الله ورسوله.وقال القتبي: إنَّما سماه أمةً، لأنه كان سبب الاجتماع.قال: وقد يجوز أنه سماه أمةً لأنه اجتمع عنده خصال الخير.ويقال: إنّما سماه أمةً، لأنه آمن وحده حين لم يكن مؤمن غيره.وهذا كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَجيءُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَحْدَهُ».وقد كان أسلم قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم حين لَم يكن بمكة مؤمن غيره، وتابعه ورقة بن نوفل، وعاش ورقة بن نوفل إلى وقت خروج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنزل عليه الوحي.ثم قال: {حَنِيفًا مُّسْلِمًا} أي: مستقيمًا مائلًا عن الأديان كلها {وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين} أي: مع المشركين على دينهم.وأصله ولم يكن فحذفت النون لكثرة استعمال هذا الحرف.قوله: {شَاكِرًا لاّنْعُمِهِ} أي: ما أنعم الله عليه {اجتباه} أي: اصطفاه، واختاره للنبوة، {وَهَدَاهُ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي: إلى دين قائم وهو الإسلام {وءاتيناه في الدنيا حَسَنَةً} يقول: أكرمناه بالثناء الحسن.ويقال: بالنبوة.ويقال: بالولد الطيب {وَإِنَّهُ في الآخرة لَمِنَ الصالحين} يعني: مع الأنبياء في الجنة.قوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} أي: بعد هذه الكرامة التي أعطيناها إياك، أمرناك {أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم} أي: دين إبراهيم.يعني: استقم عليه {حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} على دينهم.قوله: {إِنَّمَا جُعِلَ السبت على الذين اختلفوا فِيهِ} يقول: إنما أمروا في السبت بالقعود عن العمل {على الذين اختلفوا فِيهِ} يعني: في يوم الجمعة، وذلك أن موسى عليه السلام أمرهم أن يتفرغوا لله تعالى في كل سبعة أيام يومًا واحدًا، فيعبدوه، ولا يعملوا فيه شيئًا من أمر الدنيا، وستة أيام لصناعتهم، ومعايشهم، ويتفرغوا في يوم الجمعة.فأبوا أن يقبلوا ذلك اليوم، وقالوا: إنَّما نختار السبت، اليوم الذي فرغ الله فيه من أمر الخلق.فجعل ذلك عليهم، وشدد عليهم، ثم جاءهم عيسى بالجمعة، فاختاروا يوم الأحد.وقال مجاهد: {إِنَّمَا جُعِلَ السبت على الذين اختلفوا فِيهِ} أي: في السبت اتَّبعوه.وتركوا الجمعة.وروى همام عن أبي هريرة أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ» يعني: يوم الجمعة.فهذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فهم لنا فيه تبع، واليهود غدًا، والنصارى بعد غد.ثم قال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أي: يقضي بينهم {يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من الدين، فبيّن لهم الحق معاينة.ثم قال: {ادع إلى سَبِيلِ رَبّكَ} أي: إلى دين ربك، وإلى طاعة ربك {بالحكمة} يعني: بالنبوة والقرآن {والموعظة الحسنة} يعني: عظهم بالقرآن {وجادلهم بالتى هي أَحْسَنُ} أي: حاجهم، وناظرهم بالحجة والبيان ويقال: باللين.وفي الآية دليل أن المناظرة، والمجادلة، في العلم جائزة، إذا قصد بها إظهار الحق.وهذا مثل قوله: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وقولوا ءَامَنَّا بالذى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46]، وقوله: {سَيَقُولُونَ ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بالغيب وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل ربى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظاهرا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22]. ثم قال: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ} أي: عن دينه {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} لدينه.قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} قال ابن عباس: وذلك حين قتل المشركون حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ومثلوا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَئِنْ أمْكَنَنَا اللَّهُ لَنُمَثِّلَنَّ بِالأحْيَاء فَضْلًا عَنِ الأمْوَاتِ» فنزل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} الآية.وقال محمد بن كعب القرظي: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بالحال التي هو بها حين مثل به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ لأمَثِّلَنَّ بِثَلاثِينَ مِنْهُمْ».فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما به من الوجع.قالوا: لئن ظفرنا بهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب أحد.فنزل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ} {وَلَئِن صَبَرْتُمْ} فلم تعاقبوا، ولم تمثلوا {لَهُوَ خَيْرٌ للصابرين} من المثلة أي: ثواب الصبر خير من المكافأة.ثم صارت الآية عامة في وجوب القصاص، أنه لا يجوز إلا مثلًا بمثل، والعفو أفضل.قال: {واصبر} يعني: أثبت على الصبر {وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله} يعني: ألهمك ووفقك للصبر {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي على كفار قريش إن لم يسلموا {وَلاَ تَكُ في ضَيْقٍ مّمَّا يَمْكُرُونَ} قرأ ابن كثير: {فِى ضَيْقٍ} بكسر الضاد وقرأ الباقون: بالنصب ومعناهما واحد أي: لا يضيق صدرك مما يقولون لك، ويصنعون بك وقال مقاتل: نزلت الآية في المستهزئين.ثم قال تعالى: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا} أي: معين للذين اتقوا الشرك {والذين هُم مُّحْسِنُونَ} في العمل.ويقال: معين الذين اتقوا مكافأة المسيء {والذين هُم مُّحْسِنُونَ} إلى من أساء إليهم، والله أعلم بالصواب.وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. اهـ..قال الثعلبي: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}.تخاصم وتحتج عن نفسها بما أسلفت من خير وشر مشتغلًا بها لا تتفرّغ إلى غيرها والنفس تذكر وتؤنث {وتوفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.روى أبو صالح المري عن جعفر بن زيد قال: قال عمر بن الخطاب {رضي الله عنه} لكعب الأحبار: ياكعب خوّفنا وحدّثنا حديثًا تنبهنا به قال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لو وافيت القيامة بمثل عمل سبعين نقيبًا، لأُتيت عليك ظلمات وأنت لا تهمل إلاّ نفسك وأن لجهنم زفرة ما يبقى ملك مقرّب ولا نبي مبعث إلا وقع جاثيًا على ركبتيه حتّى إن إبراهيم ليدلي بالخلة فيقول: يارب أنا خليلك إبراهيم لا أسالك إلا نفسي وأن تصديق ذلك الذي أنزل عليكم {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}.وروى عكرمة عن ابن عبّاس في هذه الآية قال: ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة، حتّى تخاصم الروح الجسد فتقول الروح: يارب الروح منك وأنت خلقته لم تكن لي يد أبطش بها ولا رجل أمشي بها ولا عين أبصر بها، ويقول الجسد إنما خلقتني كالخشب ليس لي يد ابطش بها ولا عين أبصر بها ولا رجل أمشي بها، فجاء هذا كشعاع النور فيه نطق لساني وبه أبصرت عيني وبه مشت رجلي فجدد عليه العذاب. قال: فيضرب الله لهما مثال أعمى ومقعدًا دخلًا حائطًا فيه ثمار، فالأعمى لايبصر الثمر والمقعد لايناله، فنادى المقعد الأعمى: أتيني هاهنا حتّى تحملني، قال: فدنا منه فحمله فأصابوا من الثمر فعلى من يكون العذاب، قالا: عليهما قال: عليكما جميعًا الغذاب، {وَضَرَبَ الله مَثَلًا قَرْيَةً} يعني مكة {كَانَتْ آمِنَةً} لايهاج أهلها ولايغار أهلها {مُّطْمَئِنَّةً} قارة بأهلها لايحتاجون إلى الانتقال للانتجاع كما يحتاج إليها سائر العرب {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ} يحمل إليها من البر والبحر، نظيره قوله: {يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا} [القصص: 57]. {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله} جمع النعمة وقيل: جمع نعم، وقيل: جمع نعماء مثل بأساء وأبوس {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع} إبتلاهم الله بالجوع سبع سنين وقطعت العرب عنهم الميرة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جهدوا فأكلوا العظام المحرّقة والجيفة والكلاب الميتة والعلهز، وهو الوبر يعالج بالدم، ثم إن رؤوساء مكة تكلموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا عذاب الرجال فما بال النساء والصبيان؟ فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمل الطعام اليهم وهم بعد مشركون {والخوف} يعني بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه التي كانت تطيف بهم.
|